وساوس الخوف من الموت :المشكلة والعلاج
نشره د.صلاح الدين السرسى يوم أكتوبر 25, 2009 - 15:59.
الخوف من الموت كثيرا ما يجمع بعض خصائص الوسواس القهرى التى تصاحبها المخاوف النفسية المتعلقة بالموت . هذه الحالة ينتج عنها فى بعض الأحيان اكتئاب ، لكنه اكتئاب راجع للمخاوف السابقة ولعدم القدرة على التخلص من الوساوس المتعلقة بالموت .
ولا شك أن الصدمة التى يواجهها الإنسان نتيجة فقد شخص عزيز أو شخص لم يكن متوقعًا له الموت تساعد على اظهار هذه الوساوس والمخاوف التى سرعان ما تسيطر على فكر الإنسان ومشاعره وتقيد الكثير من سلوكياته ، هذه الهواجس قد تخف حدتها أحياناً وتشتد حدتها فى أحيان أخرى .
ويذهب بعض الأطباء النفسيين الى أن منشأ هذه الأفكار والمشاعر اضطراب بسيط في كيمياء الدماغ ، كما أن خصائص الشخص وسماته تلعب دوراً كبيراً فى إظهار هذه الأعراض .
وعلاج تلك الحالة يتمثل فى شقين :
شق نفسى معرفى : القصد منه التخفيف من الخوف بتجريد الموت من معظم ما فيه من الآلام النفسية ومجابهة حقيقة الموت بالرضى والقبول من خلال تحليل منطقى لحقيقته .
من أولى خطوات هذا التحليل أن يسأل الشخص نفسه : هل الموت من لوازم الحياة الإنسانية ؟ أو هل يمكن التخلص منه ؟
والجواب ، ليس من عاقل يعترض على كون الموت أمراً حتمياً ، وضريبة على كل كائن حي .ومادام الأمر كذلك فلماذا الخوف منه ؟
هل لأنه يعني الفناء؟
أو لأنه يعني الانتقال من حياة دنيا إلى حياة أخرى.
الموت في حقيقته انتقال من مرحلة مؤقتة إلى حياة أخروية دائمة.
وإذا كان كذلك فأي معنى بقي لفكرة انحلال الجسد واستحالته إلى تراب وعظام؟
قال تعالى واصفا وجوه المؤمنين : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " .
وقال تعالى : " تعرف في وجوههم نضرة النعيم " . والنضرة حسن يلحق بالوجه .
أما القول : إن الموت يحمل معه فكرة الفراق والحرمان من مشاهدة الأحبة والالتقاء بهم . مما يترتب عليه فقدان التوازن النفسي للإنسان . ولكن علينا أن نستكمل تلك الحقيقة بحقيقة أخرى نستقيها من تساؤلنا عما بعد الموت ، فسؤال ميت من آلاف السنين بعد بعثه كم لبثت؟ فستكون الإجابة بتالقطع يوما أو بعض يوم .
فراق هذا شأنه لا ينبغي أن يترك خوفاً في النفس من الموت ، بل غاية ما يتركه دمعة حزن تحمل الرحمة وطلب المغفرة.
فالفراق يترك الحزن في النفس ولا ينبغي له أن يترك الخوف من الموت.فراق مؤقت يتبعه لقاء يوم القيامة،لقاء يعقبه محبة ولقاء يعقبه لعنة وفراق أبدي.أما لقاء المؤمنين فهو لقاء محبة وأنس .قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } . وقال الله تعالى : { يوم ترى المؤمنون والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم . يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم . قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . ينادونهم ألم نكن معكم قالوا : بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغرّكم بالله الغرور } .
فاحرص على تأسيس نفسك على التقوى وعاشر الأتقياء وتلمس خطاهم حتى تحشر معهم.
وقد يكون الخوف من الموت خوفا من المعاصي التي ارتكبتيها ، اذا كان هذا هو أحد أسباب خوفك فإنه دليل قوى على إيمانك والمؤمن الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء والمحبة، وما اجتمعت في قلب مؤمن قط إلا أعطاه الله ما يرجو و آمنه مما يخاف.
وقد قال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أن أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا }.
لوكل ما تقدم عبارة عن مواد أولية عاجلة قدّمت للمؤمنين للتخفيف من وطأة الخوف والتهوين من المخاوف المترتبة عليه.
وتوجد مجموعة من القواعد التى تساعد على ازالة الحساسية أو التقليل من حدة المخاوف التى تستثيرها فكرة الموت وتحصن الانسان تدريجيا من خوفه منه من هذه القواعد :
1- التعرض لرؤية الجنائز والأموات والجثث والدماء ومناظر الإغماء من الأمور التى تساعد المرء في التغلب على هذه المخاوف الطبيعية ، وهي من الوسائل التربوية لكثير من أصحاب المذاهب الحديثة في التربية.ففعل الشيء الذي نتهيبهه يساعد فى ازالة الخوف أو التقليل منه.
2- التعود على البقاء لفترات محددة بعيدا عن الناس وخاصة عن الأهل والأصدقاء والمعارف لتحمل فراقهم والاعتياد عليه ومن ثم التقليل من ألم الفراق .
3- تقبل الأمر المحتوم بالرضى والتسليم.قال - صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
4- لو استعرضنا تاريخ أبطالنا وكبار قادة المسلمين في الفتوحات الإسلامية والمعارك التاريخية الفاصلة ، لوجدنا أن معظمهم قد أدركه أجله على فراشه مع ما يمثله القادة عادة من قيمة معنوية عند الجنود في المعركة ،مما يجعلهم هدفا للأعداء قبل غيرهم.كخالد بن الوليد -رضي الله عنه-وأرضاه، الذى قال وهو على فراش الموت: ((شهدت مائة زحف أو زهاها ،وما بقي في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير ،فلا نامت أعين الجبناء )).
5- السعى الى استعادة توثيق علاقة الإنسان بربه واستعادة ثقته بذاته ، واستبدال التفكير المعرفي السلبي الذى يسيطر عليه بتفكير إيجابي ، الذى يمكنه الوصول اليه بالتأمل العميق الهادىء في إيجابياته وإنجازاته، ومحاولة تسليط الضوء عليها وتجسيدها سيكون له أكبر الأثر فى انحسار الأفكار السلبية الاكتئابية وتقليصها ثم تلاشيها فى نهاية المطاف. وسيترتب على هذا بإذن الله التغلب على هذه المخاوف واستئناف السعى فى الأرض واعمارها بنشاط وفعالية ، ويساعد فى أن يكون فردا راضيا عن نفسه مطمئنا لرحمة ربه وشاكرا لأنعمه ، وعاملا فعالا ونشيطا .
6- أما الشق الثانى من العلاج فيتمثل فى العلاج الدوائى : فقد تأكد أن المزاوجة بين العلاج النفسى والعلاج الدوائى يؤتى بنتائج سريعة ، وتحسن عاجل ، لذلك قد الشخص الى مراجعة طبيب نفسى ولا خوف من هذه المراجعة على الإطلاق ، ولا صحة لما يتردد من شائعة الإدمان على الدواء ، فالأدوية الآن آمنة ولا تؤدى الى الإدمان كما يروج البعض .والطبيب سيصف الدواء المناسب ،وكمية الجرعات والمدة المطلوبة لتحقيق الشفاء العاجل بإذن الله .
منقول