[.. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ..]
مِن مُقتضياتِ التَّوكُّلِ على اللهِ ، وتفويضِ الأمر إليه ،
فِعلُ السَّبَبِ ، ومنه الدُّعاءُ ، والإلحاحُ فيه ، فيما قصدتَ
فيه التَّوكُّلَ عليه . فتسألُ الخيرَ فيه ، وصَرفَ السُّوءِ عَنك .
لا تكتفي بقول ( توكَّلتُ على الله ) ، بل افعل الأسبابَ
المُعينةَ على حُصُولِ مَقصودِكِ مِنَ الخير فيه ، وطلب
البركة بالدُّعاء ، وصِدق التُّوكُّل فيه ، بتعلُّق قلبِكَ بالله .
التَّوكُّلُ على الله يتحقَّقُ به المَطلوبُ ، ويندفعُ به المَكروه ،
وتُقضَى به الحاجاتُ . وكلَّما تمكَّنَت معاني التَّوكُّلِ مِنَ
القلوب ، تَحقَّقَ المقصودُ أتَمَّ تحقيق .
بالتَّوكُّلِ على اللهِ ، يَكفيكَ ما أهَمَّكَ ، ويَدفَعُ عنك الشرور ،
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
الزمر / 36 .
فِعلُ الإسبابِ تَوَكُّل ، وهو المَأمور به شرعًا ، ولا يَركَنُ
إليها ، ويَعتقد أنَّها المُؤثرة ، بل يُفَوِّضُ الأمرَ إلى اللهِ
القادر سُبحانه . وتَركُها تواكُلٌ ، وهذا مَنهِيٌّ عنه شرعًا .
كانا في الغار ( فعل سَبَب ) ، وحقيقةُ ما فعلا توكُّلٌ
ويَقِين : قال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم _ يعني
لأبي بكرٍ رضي الله عنه _ : (( ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ
ثالثُهما )) رواه البُخاريُّ .
عند التَّوكُّل ، أيقِن بقُدرةِ اللهِ فيه ، وحسن الظَّنِّ بِهِ ،
وحُسن تدبيره لأمركَ لِمَا فيه خيرُك ، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ الفرقان / 58 .
طُيُورٌ تطيرُ بحثًا عن طعامٍ ومَاء .. سَبَبٌ وتوكُّل ،
ففي الحديث : (( لو أنَّكم تَوَكَّلُونَ علَى اللهِ تعالَى حَقَّ
تَوَكُلِهِ ، لَرَزَقَكُمْ كمَا يَرْزُقُ الطيرَ ، تغدُو خِماصًا ،
وتروحُ بِطانًا )) صحيح الجامع .
التَّوكُّلُ مِن أقوى الأسباب التي يَدفَعُ بها العَبدُ ما لا
يُطِيقُ مِن أذى الخَلْقِ ، وظُلمِهم ، وعُدوانِهم ، وقال
سعيد بن جُبير : " التَّوكُّلُ على اللهِ جِماعُ الإيمان " .
في التَّوكُّلِ على اللهِ ، تظهرُ حقيقةُ الاستعانةِ بالله ؛
بفِعل الأسبابِ ، والدُّعاءِ والإلحاح فيه ؛ لِحُصولِ
المقصودِ منه ، ويَقينٌ بأنَّ اللهَ هو القادِرُ على ذلك
وحده .